الدمام: ميرزا الخويلدي
أعاد باحث سعودي يعمل في متحف الدمام
الاقليمي، طرح
نظرية سبق أن أعلن عنها في عام 1998 ولم تلق
اهتماماً وقتها، تتعلق باكتشافه (نظرية التقويم الدلموني
الشمسي)، وتعيد النظرية ـ في حال تأكدها ـ إلى حضارة
ديلمون التي تعود لأكثر من 4 آلاف سنة العمل
بالتقويم الشمسي، حيث عرف كهنة المعابد في ديلمون
ظاهرة تحرك الشمس وتتبعها وعرفوا الانقلاب الصيفي
وكانت هذه الحضارة إحدى اولى الحضارات التي اتبعت
التقويم الشمسي.
وتحدث لـ«الشرق الأوسط» نبيل الشيخ عن أهمية هذا
الاكتشاف، داعياً المسؤولين في وكالات الآثار
والجهات المسؤولة عنها في الخليج للعمل على دعم
الابحاث في هذا المجال، وقال إنه عمل قبل عام 1996
للوصول لهذه النظرية، لكنه ابدى استغرابه من أن
الكثيرين من المعنيين بها لم يولوها الاهتمام الذي
تستحقه.
وتعتبر الحضارة الدلمونية حضارة محلية وجدت على
أرض جزيرة البحرين كمركز، وفي المناطق المجاورة من
بر شرقي الجزيرة العربية (جزيرة تاروت وجنوب
الظهران في المملكة العربية السعودية وأيضا جزيرة
فيلكا في دولة الكويت)، وتكمن أهميتها في أنها تحتل
مكانا فريدا في الميثولوجيا السومرية والبابلية
القديمة باعتبارها مكانا مقدسا، له مواصفات الجنة
او الفردوس.
ويقول الباحث عن التقويم الدلموني الشمسي إن ظروف
مجتمع دلمون الذي اعتمد على الزراعة والتجارة
والصيد ظهرت فيه المتطلبات الأساسية لحساب الزمن
فأحدث الكاهن الدلموني ثورة جديدة في أسلوب حسابه
للزمن تختلف عن المفاهيم الفلكية والفكرية التي
اتبعتها الكثير من الحضارات القديمة، إذ أن
التقويم الدلموني تقويم شمسي بحت تقسم به السنة الى
365 يوما وهى المدة الزمنية لرجوع الشمس الى النقطة
التي ابتدأت منها وهذا ما يعرف بالانقلاب الشمسي
وهذه الحسبة قريبة جداً لطول السنة الحقيقي 365.2422
يوما وهي الفترة الزمنية التي تقضيها الأرض لتكمل
دورة واحدة حول الشمس.
ويضيف «لقد تتبع الكاهن الدلموني حركة الشمس
وملاحظته لظاهرة الانقلاب الصيفي (SummerSolstice) ، ويعرف
الانقلاب الصيفي علميا بالفترة من السنة التي يحدث
فيها تحول لمسار الشمس في حركتها الظاهرية حول
الأرض بعد أن تكون قد وصلت الى أقصى امتداد لها
شمالا بمقدار 23.27 درجة فوق مدار السرطان، ويحدث هذا
في يوم 21 من شهر يونيو (حزيران) من كل عام، لذا فقد
بنى الدلمونيون معبدهم في مستوطنة سار ليكون مرصدا
فلكيا لرصد هذه الظاهرة وذلك بجعل الركن الشمالي
الغربي للمعبد (غرفة الرصد) ممتدا وموجها نحو غروب
الشمس في 21 من شهر يونيو أي بزاوية مقدارها حوالي 295
درجة، وعند معاينة كاهن المعبد تعامد الشمس مع هذه
الزاوية من خلال ثقب أو فتحة صغيرة فيعلن بهذا بدء
السنة الجديدة للشعب الدلموني».
وبهذا ـ والحديث للشيخ ـ يصبح الدلمونيون من أوائل
من استخدم التقويم الشمسي في العالم القديم وهو
تقويم دقيق وأن نسبة الخطأ به بسيطة ويمكن تصحيحها
من قبل الكهنة الذين يقومون بالتصحيح حسب الحاجة ما
كان قد تراكم من تفاوت في التقويم، لكننا نجهل إذا
ما قام بهذا كهنة سار أم لا، إذ أن الدلمونيون لم
يتركوا لنا كتابات أو رقم طينية تمكننا من معرفة
هذه الحضارة لكن وجد الكثير من الأختام الدلمونية
في مدن ومعابد دلمون التي كان معظمها في تلال
المدافن، هذه الأختام تحكي بشكل غير مباشر
جانباً كبيراً وهاماً من الحياة الدينية والاجتماعية
والفكرية والاقتصادية والسياسية لحضارة، وكانت
هذه الأختام تظهر الشمس في كثير من المواضيع بأشكال
مختلفة توحي بأن الشمس قد احتلت مكانة دينية كبيرة
لدى الدلمونيين. ويقول نبيل الشيخ الذي اجرى
عدداً
من عمليات البحث والحفر في معبد سار «اليوم وبعد
مرور حوالي 4000 سنة، أشعة غروب الشمس لا تتعامد مع
زاوية غرفة الرصد في معبد سار، لذا لم تعد الزاوية
الشمالية الغربية للمعبد تخدم ظاهرة الانقلاب
الصيفي وذلك لانحراف هذه الزاوية نحو الشرق بعشرة
درجات تقريبا فأصبحت الزاوية الجديدة للمعبد حوالي
305 درجة». ويشرح سبب هذا الانحراف في الدرجات العشر
بقوله: «المعــروف أن الصفــائح الأرضيـة في
حــركة تزحــزح مستمــرة (Plate Tectonic) وأن جزيــرة
مملــكة البحرين تقع على الصفيحة العربية، هذه
الصفيحة في حركة نحو الشمال الشرقي بمعدل 1.5 سم في
السنة أي حوالي 60 متر في 4000 سنة لكن هذه الحركة
وتزحزح الصفيحة العربية لا تسجل أي تغير في زاوية
غروب الشمس على المعبد إذ أن نقطة الشمس ثابتة
تقريبا وإنها تتغير بمقدار درجة واحدة كل 100كم وذلك
بالنسبة الى درجات خط العرض لذا فإن سبب عدم تعامد
الشمس مع الزاوية الشمالية الغربية للمعبد هو حركة
التل الرملي الذي يقع عليه المعبد إذ أن هذا التل قد
تزحزح الى الشرق بمقدار حوالي 10 درجات أي بمعدل 1.5
سم في السنة، هذه الفرضية مقبولة جدا من الناحية
الجيولوجية لوضعية هذا التل الرملي ولوجود مبنى
المعبد في أعلى ارتفاع لهذا التل فان تحرك المعبد
نحو الشرق بشكل عام نحو المنطقة المنخفضة كان بشكل
طبيعي وأحيانا قد يكون بشكل سريع بعض الشيء بسبب
الهزات الأرضية البسيطة. ولا يرى الشيخ ان اكتشافه
منتهياً، فهو يهيب بالباحثين اكمال مسيرة البحث
الذي بدأه.
ويضيف: إن هذه الدراسة المبدئية للركن الشمالي
الغربي لمعبد سار ونظرية التقويم الدلموني الشمسي
بحاجة الى دراسة علمية جادة وبأجهزة قياس دقيقة
ومتطورة كجهاز تحديد المواقع (جي بي اس ) لأخذ نقطة
على هذه الزاوية وبعد عدة سنوات اخذ قراءة جديدة
للتمكن من قياس هذا الانحراف السنوي البسيط، وأيضا
جهاز التيودوليت لأخذ زاوية الركن الشمالي الغربي
للمعبد وأيضا لأخذ زاوية غروب الشمس في يوم 21 من شهر
يونيو وإن إعادة تصور وضع المعبد قبل 4000 سنة (بمقدار
حوالي 10 درجات الى الغرب) باستخدام الحاسب الآلي
وذلك باستخدام برنامج خاص يرجع تعامد أشعة غروب
الشمس على الركن الشمالي الغربي لمعبد مستوطنة سار
الدلمونية في 21 من شهر يونيو وبداية سنة دلمونية
جديدة.